انهزم مشروع الاحتراف في كرة القدم المغربية حتى قبل أن يبدأ، وقدم مسؤولان في الجامعة استقالتهما في أول خطوة احتجاجا على معارضة رؤساء الفرق المغربية لنزول أربعة منها إلى القسم
وربما كان أوزال وعمور أظهرا فقط بأنهما قدما استقالتهما ولم يفعلا ذلك فعلا لكي يضغطا في اتجاه تبني مشروعهما بالكامل فيما أصبح يسمى "تأهيل كرة القدم المغربية"، وهي عبارة فضفاضة وغامضة مثل كلمة "المخطط الخماسي" الذي كان المغاربة يسمعونه في السنوات الأولى للبرلمان من دون أن يفهموا معناه بل إن البرلمانيين أنفسهم والوزراء الذين كانوا يناقشونه الساعات الطوال لم يكونوا يفهمون حرفا واحدا فيه.
لكن ما يجري داخل الجامعة اليوم يعتبر زوبعة في فنجان. فلا المغاربة مهتمون بذلك لأنهم يئسوا من الكرة المغربية وأصبحوا يلزمون بيوتهم لمشاهدة البطولات الأوربية والعالمية بعيدا عن "صداع الراس"، ولا أعضاء الجامعة يشكلون نسيجا متراصا يمكن أن يدافع عن مصالح الكرة المغربية ويرسم لها معالم الطريق.
أحمد عمور، يتبنى شخصيا مشروع تأهيل كرة القدم المغربية، وحينما يتواضع فإنه يشرك معه محمد أوزال، وهو في جميع الحالات يروّج هنا وهناك أنه من دونه فإن كرة القدم المغربية ستظل في النفق الذي عاشت فيه لسنوات طويلة. وبعبارة أوضح، فإنه يحاول أن يجعل من نفسه منقذ الكرة المغربية من الضلال.
المثل المغربي يقول "من الخيمة خرج مايل"، والمغاربة جميعا يفهمون معنى هذا الكلام الذي لا يحتاج إلى توضيح لأن تفسير الواضحات من المفضحات. وهكذا فإن مشروع تأهيل كرة القدم في المغرب خرج مائلا من الخيمة، لذلك إذا سقط على بعد خطوة أو خطوتين فإن ذلك سيعتبر طبيعيا.
عمور، ومعه أوزال، أو أوزال ومعه عمور، نسيا أن الاحتراف في كرة القدم يسبقه بالضرورة احتراف في العقول والعقليات. وإذا أرادوا أن يعرفوا أكثر معنى هذا الكلام فعليهم أن يعودوا قليلا إلى السياسة، وإلى البرلمان والحكومة خصوصا لكي يفهموا أفضل.
ما الذي يجعل البرلمان المغربي بناية بلا معنى وداخلها أشخاص بلا معنى ويتناقشون حول أشياء بلا معنى؟ لأن البرلمان لا يمكن أن يكون جيدا ويقوم بدوره الطبيعي وسط محيط سياسي فاسد، لذلك سيكون هو نفسه جزءا من هذا الفساد العام.
وإذا لم يفهم عمور وأوزال حكاية البرلمان، فليكن مثال الحكومة أوضح. ما الذي يجعل الحكومة مجرد شبح، ووزرائها لا يستطيعون الهش على ذبابة ويعودون في كل وقت وحين إلى هواتفهم لكي يسألوا ما الذي يجب عليهم أن يفعلوه.
الجواب هو لأنها حكومة بلا معنى ولم تنتج عن انتخابات طبيعية وشفافة، والوزراء جاؤوا من أحزاب هرمة ومريضة، وأغلبهم بشخصيات ضعيفة ومهزوزة ولا يقدمون أو يؤخرون شيئا ويأخذون رواتبهم نهاية كل شهر وينعمون بالامتيازات والمصالح وينتظرون التقاعد.هذا إذن واقع سياسي مريض يختلط فيه الحابل بالنابل، وإذا مرض الواقع السياسي فإنه ينعكس على كل شيء، على الرياضة وغير الرياضة.
كيف إذن يريد المغاربة أن تدخل كرة القدم في البلاد عالم الاحتراف بينما كل شيء يتم وفق نظام الهواية. فنواب البرلمان مجرد هواة يأتون إلى بناية شارع محمد الخامس في أي وقت يشاؤون ويغيبون متى شاؤوا، وفي أحيان كثيرة ينامون على مقاعدهم، وسينامون أكثر بعد أن أحضر لهم حبيبهم ورئيسهم عبد الواحد الراضي وسائد إضافية مريحة تجعل نومهم ثقيلا بعد أن كان بين الثقيل والخفيف.
وكيف يريد المغاربة أن تكون كرتهم محترفة ولاعبوهم مسؤولون أمام الجمهور، بينما لا أحد في هذه البلاد يعتبر مسؤولا أمام الشعب.
فالفوضى في المؤسسات الحكومية والإدرات ضاربة أطنابها، وكل واحد يفعل ما يحلو له، بينما نظام الاحتراف السياسي يتطلب الانضباط والخضوع للمسؤولية والمحاسبة وأموال البلاد يتم تهريبها إلى البنوك الأجنبية، بينما المسؤولون "يفرعون" رؤوس المغاربة بقرب مجيء استثمارات اقتصادية أجنبية ضخمة إلى البلاد، بينما أموال البلاد يتم استثمارها في الخارج.
وكيف يمكن أن تكون كرة القدم في المغرب محترفة بينما أبسط الناس في هذه البلاد يفعل ما يشاء، بدءا بحارس سيارات وانتهاء بالسكارى في البارات والحانات الذين لا يفهمون أن السكر الاحترافي يتطلب منهم جانبا مهما من المسؤولية وألا يحولوا الشوارع إلى حلبة للفوضى ومرحاضا يلقون فيه قيأهم، حتى أصبح العابر لشوارع الرباط مثلا صباح يوم الأحد يقفز فوق تقيآت السكارى كأنه يقفز فوق رؤوس التماسيح.
وكيف يريد أعضاء جامعة الكرة أن يكون في المغرب احتراف بينما قوارب الموت غير محترفة إطلاقا ويحشر عليها أزيد من 70 شخصا في الوقت الذي لا تزيد طاقتها الاستيعابية عن 25 شخصا. بل كان من الأجدى أن توضع فيها مقاعد كما ستوضع في ملاعب كرة القدم، لأن الاحتراف إما أن يكون شاملا أو لا يكون.
كيف سيتم تطبيق نظام الاحتراف في بلد فيه عشرة ملايين من الفقراء الفقيرين جدا جدا، والأغلبية الساحقة أميون، والسياسيون مهرجون، والشعب يريد الهجرة على متن قارب كبير يحمل 30 مليون مغربي.